فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ عبد الله: يا أيها الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون.
وقوله سبحانه وتعالى: {مَنْ ءامَنَ بالله واليوم الآخر وَعَمِلَ صالحا} إما في محل رفع على أنه مبتدأ خبره قوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، وجمع الضمائر الأخيرة باعتبار معنى الموصول كما أن إفراد ما في صلته باعتبار لفظه، والجملة خبر {إن} أو خبر المبتدأ، وعلى كل لابد من تقدير العائد أي من آمن منهم، وإما في محل النصب على أنه بدل من اسم {إن} وما عطف عليه، أو ما عطف عليه فقط، وهو بدل بعض، ولابد فيه من الضمير كما تقرر في العربية فيقدر أيضًا، وقوله تعالى: {فَلاَ خَوْفٌ} الخ خبر، والفاء كما في قوله عز وجل: {إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [البروج: 10] الآية، والمعنى كما قال غير واحد على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المؤمنين بألسنتهم وهم المنافقون من أحدث من هؤلاء الطوائف إيمانًا خالصًا بالمبدأ والمعاد على الوجه اللائق لا كما يزعمه أهل الكتاب فإنه بمعزل عن ذلك، وعمل عملًا صالحًا حسبما يقتضيه الإيمان فلا خوف عليهم حين يخاف الكفار العقاب ولا هم يحزنون حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب، والمراد بيان «دوام» انتفاء الأمرين لا «بيان» انتفاء دوامهما على ما مرت الإشارة إليه غير مرة، وأما على تقدير كون المراد بالذين آمنوا المتدينين بدين النبي صلى الله عليه وسلم مخلصين كانوا أو منافقين، فالمراد بمن آمن من اتصف منهم بالإيمان الخالص بما ذكر على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثبات والدوام كما في المخلصين أو بطريق الإحداث والإنشاء كما هو حال من عداهم من المنافقين، وسائر الطوائف وليس هناك الجمع بين الحقيقة والمجاز كما لا يخفى لأن الثبات على الإيمان والإحداث فردان من مطلق الإيمان إلا أن في هذا الوجه ضم المخلصين إلى الكفرة، وفيه إخلال بتكريمهم، وربما يقال: إن فائدة ذلك المبالغة في ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين الأعلام؛ وتمام الكلام قد مر في آية البقرة (62) فليراجع. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما يستقبلهم من العذاب: {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} أي: في الآخرة إذا خاف المقصرون وحزنوا على تضييع العمر..
لطائف:
الأول: {الصابئون} رفع على الابتداء. وخبره محذوف. والنية به التأخير عما في حيز «إن» من اسمها وخبرها. كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا. والصائبون كذلك، وأنشد سيبويه شاهدًا له:
وَإلاَّ فاعلموا أَنَّا وأنتم ** بُغَاةٌ مَا بَقِينَا في شِقَاقِ

أي: فاعلموا أنا بغاة، وأنتم كذلك. ثم قال الزمخشري: فإن قلت: ما التقديم والتأخير إلا لفائدة، فما فائدة التقديم؟ قلت: فائدة التنبيه على أن الصابئين يتاب عليهم إن صح منهم الإيمان والعمل الصالح. فما الظنّ بغيرهم؟ وذلك أن الصابئين أبين هؤلاء المعدودين ضلالًا وأشدّهم غيًا، وما سموا صابئين إلاّ لأنهم صبأوا عن الأديان كلها. أي: خرجوا. كما أن الشاعر قدم قوله: «وَأَنْتُمْ» تنبيهًا على أن المخاطبين أوغل في الوصف بالبغاة من قومه. مع كونهم أوغل فيه منهم وأثبت قدمًا. انتهى.
قال الناصر في الانتصاف:
ثمة سؤال، وهو أن يقال: لو عطف «الصابئين» ونصبه- كما قرأ ابن كثير- لأفاد أيضًا دخولهم في جملة المتوب عليهم، وَلَفُهِم من تقديم ذكرهم على «النصارى» ما يفهم من الرفع من أن هؤلاء الصابئين- وهم أوغل الناس في الكفر- يتاب عليهم، فما الظنّ بالنصارى؟ ولكان الكلام جملة واحدة بليغًا مختصرًا، والعطف إفراديّ. فلِمَ عدل إلى الرفع وجعل الكلام جملتين؟ وهو يمتاز بفائدة على النصب والعطف الإفراديّ؟ ويجاب عن هذا السؤال بأنه لو نصبه وعطفه لم يكن فيه إفهام خصوصية لهذا الصنف. لأن الأصناف كلها معطوف بعضها على بعض عطف المفردات. وهذا الصنف من جملتها، والخبر عنها واحد. وأما مع الرفع فينقطع عن العطف الإفراديّ وتبقى بقية الأصناف مخصصة بالخبر المعطوف به. ويكون خبر هذا الصنف المنفرد بمعزل. تقديره مثلًا «والصابئون كذلك» فجيء كأنه مقيس على بقية الأصناف وملحق بها. وهو بهذه المثابة، لأنهم لما استقر بعد الأصناف من قبول التوبة، فكانوا أحقاء بجعلهم تبعًا وفرعًا مشبهين بمن هم أقعد منهم بهذا الخبر، وفائدة التقديم على الخبر المحذوف من ذكره، بعد تقضي الكلام وتمامه، والله أعلم.
الثانية- فإن قلت: إن قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} كيف يقع خبرًا عن: {الَّذِينَ آمَنُواْ} أو بدلًا، وهو يقتضي انقسام المؤمنين إلى مؤمنين وغير مؤمنين؟
أجيبك بأن المراد بـ: {الَّذِينَ آمَنُواْ} الذي آمنوا باللسان فقط. وهم المنافقون. فالمعنى: الذين آمنوا باللسان ومن معهم، من أحدث منهم إيمانًا خالصًا. أو يؤول: {مَنْ آمَنَ} بمن ثبت على الإيمان. فيصح في حق المؤمنين الخلص. وفي هذا شبه جمع بين الحقيقة والمجاز، ودفع بأن الثبات على الإيمان ليس غير الإيمان، بل هو وإحداثه فردان من مطلقه. والوجه الأول. إذ في ضمّ المؤمنين إلى الكفرة إخلال بتكريمهم، قاله الخفاجيّ.
قال أبو السعود: أما على تقدير كون المراد بـ: {الَّذِينَ آمَنُواْ} مطلق المتدينين بدين الإسلام، المخلصين منهم والمنافقين فالمراد بـ: {مَنْ آمَنَ} من اتصف منهم بالإيمان الخالص على الإطلاق، سواء كان ذلك بطريق الثبات والدوام عليه- كما هو شأن المخلصين. أو بطريق إحداثه وإنشائه- كما هو حال من عداهم من المنافقين وسائر الطوائف. وفائدة التعميم للمخلصين المبالغة في ترغيب الباقين في الإيمان، ببيان أن تأخرهم في الاتصاف به غير مخل بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين الأعلام. انتهى.
الثالثة: قال الرازي: لمّا بيَّن تعالى انتهى أهل الكتاب ليسوا على شيءٍ ما لم يؤمنوا، بيّن أن هذا الحكم عام في الكل، وأنه لا يحصل لأحد فضيلة ولا منقبة إلا إذا آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا، وذلك لأن الإنسان له قوتان: القوة النظرية والقوة العملية. أما كمال القوة النظرية فليس إلا بأن يعرف الحق. وأما كمال القوة العملية فليس إلا بأن يعمل الخير. وأعظم المعارف شرفًا معرفة أشرف الموجودات وهو الله سبحانه وتعالى. وكمال معرفته إنما يحصل بكونه قادرًا على الحشر والنشر، فلا جرم كان أفضل المعارف هو الإيمان بالله واليوم الآخر. وأفضل الخيرات في الأعمال أمران: المواظبة على الأعمال المشعرة بتعظيم المعبود، والسعي في إيصال النفع إلى الخلق. ثم بين تعالى أن كل من أتى بهذا الإيمان وبهذا العمل، فإنه يرد يوم القيامة من غير خوف ولا حَزْن. والفائدة في ذكرهما: أن الخوف يتعلق بالمستقبل، والحزن بالماضي، فقال: {فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة: {وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} بسبب ما فاتهم من طيّبات الدنيا، لأنهم وجدوا أمورًا أعظم وأشرف وأطيب. فإن قيل: كيف يمكن خلوّ المكلف، الذي لا يكون معصومًا، عن أهوال يوم القيامة؟ فالجواب من وجهين:
الأول- أنه تعالى شرط ذلك بالعمل الصالح. ولا يكون آتيًا بالعمل الصالح إلا إذا كان تاركًا لجميع المعاصي.
والثاني- أنه إذا حصل خوف، فذلك عارض قليل لا يعتد به. انتهى. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}.
موقع هذه الآية دقيق، ومعناها أدقّ، وإعرابها تابع لدقّة الأمرين.
فموقعها أدقّ من موقع نظيرتها المتقدّمة في سورة البقرة (62)، فلم يكن ما تقدّم من البيان في نظيرتها بمغن عن بيان ما يختصّ بموقع هذه.
ومعناها يزيد دقّة على معنى نظيرتها تبعًا لدقّة موقع هذه.
وإعرابها يتعقّد إشكاله بوقوع قوله: {والصابون} بحالة رفع بالواو في حين أنّه معطوف على اسم {إنّ} في ظاهر الكلام.
فحقّ علينا أن نخصّها من البيان بما لم يسبق لنا مثله في نظيرتها ولنبدأ بموقعها فإنّه مَعْقَد معناها:
فاعلم أنّ هذه الجملة يجوز أن تكون استئنافًا بيانيًا ناشئًا على تقدير سؤال يخطر في نفس السامع لِقوله: {قل يأهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل} [المائدة: 68] فيسأل سائل عن حال من انقرضوا من أهل الكتاب قبل مجيء الإسلام: هل هم على شيء أو ليسوا على شيء، وهل نفعهم اتّباع دينهم أيّامئذٍ؛ فوقع قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} الآية جوابًا لهذا السؤال المقدّر.
والمراد بالّذين آمنوا المؤمنون بالله وبمحمّد صلى الله عليه وسلم أي المسلمون.
وإنّما المقصود من الإخبار الّذين هَادوا والصابون والنّصارى، وأمّا التعرّض لذكر الّذين آمنوا فلاهْتماممٍ بهم سنبيّنه قريبًا.
ويجوز أن تكون هذه الجملة مؤكِّدة لجملة {ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا واتّقوا} [المائدة: 65] الخ، فبعد أن أُتبعت تلك الجملة بما أُتبعت به من الجُمل عاد الكلام بما يفيد معنى تلك الجملة تأكيدًا للوعد، ووصلًا لربط الكلام، وليُلحق بأهل الكتاب الصابئون، وليظهر الاهتمام بذكر حال المسلمين في جنّات النّعيم.
فالتّصدير بذكر الّذين آمنوا في طالعة المعدودين إدماج للتنويه بالمسلمين في هذه المناسبة، لأنّ المسلمين هم المثال الصّالح في كمال الإيمان والتحرّز عن الغرور وعن تسرّب مسارب الشرك إلى عقائدهم كما بشّر بذلك النّبيء صلى الله عليه وسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله: «إنّ الشيطان قد يَئس أن يُعبد من دون الله في أرضكم هذه» فكان المسلمون، لأنّهم الأوحدون في الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصّالح، أوّلين في هذا الفضل.
وأمّا معنى الآية فافتتاحها بحرف {إنّ} هنا للاهتمام بالخبر لعروّ المقام عن إرادة ردّ إنكار أو تردّد في الحكم أو تنزيل غير المتردّد منزلة المتردّد.
وقد تحيّر النّاظرون في الإخبار عن جميع المذكورين بقوله: {من آمن بالله واليوم الآخر}، إذ من جملة المذكورين المؤمنون، وهل الإيمان إلاّ بالله واليوم الآخر؟ وذهب النّاظرون في تأويله مذاهب: فقيل: أريد بالّذين آمنوا من آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، وهم المنافقون، وقيل: أريد بمن آمن من دام على إيمانه ولم يرتد.
وقيل: غير ذلك.
والوجه عندي أنّ المراد بالَّذين آمنوا أصحاب الوصف المعروف بالإيمان واشتهر به المسلمون، ولا يكون إلاّ بالقلب واللّسان لأنّ هذا الكلام وعد بجزاء الله تعالى، فهو راجع إلى علم الله، والله يعلم المؤمن الحقّ والمتظاهر بالإيمان نِفاقًا.
فالّذي أراه أن يجعل خبر «إنّ» محذوفًا.
وحذفُ خبر «إنّ» وارد في الكلام الفصيح غير قليل، كما ذكر سيبويه في «كتابه».
وقد دلّ على الخبر ما ذكر بعده من قوله: {فلا خوف عليهم} إلخ.
ويكون قوله: {والّذين هادوا} عطفَ جملة على جملة، فيجعل {الّذين هادوا} مبتدأ، ولذلك حقّ رفع ما عُطف عليه، وهو {والصابُون}.
وهذا أولى من جعل {والصابون} مَبْدأ الجملة وتقدير خبر له، أي والصابون كذلك، كما ذهب إليه الأكثرون لأنّ ذلك يفضي إلى اختلاف المتعاطفات في الحكم وتشتيتها مع إمكان التفصّي عن ذلك، ويكون قوله: {من آمن بالله} مبتدأ ثانيًا، وتكون «من» موصولة، والرّابط للجملة بالّتي قبلها محذوفًا، أي من آمن منهم، وجملة {فلا خوف عليهم} خبرًا عن «من» الموصولة، واقترانها بالفاء لأنّ الموصول شبيه بالشرط.